رحلة اثام بقلم منال سالم
المحتويات
منها حاجات تنفع تتاكل بدل ما الواحد بيفضل على لحم بطنه كده بالساعات.
جففت كلتا يديها في جانبي قميص البيت الذي ترتديه وقالت بإيماءة خفيفة من رأسها
المفروض الحساب يكون بالنص ما أنا مش هاكل لواحدي هي أكيد هتجوع زيي.
اختمرت الفكرة برأسها وتحمست لتنفيذها قائلة بتصميم
لما ترجع أبقى أكلمها.
سارت نحو الشرفة نظرت من خلف الزجاج بعدما أزاحت الستارة قليلا وتساءلت في تحير
كانت مأخوذة ومبهورة بكل ما يحدث معها في مباراة جذبها لاتخاذ جانب أحد الطرفين لم تنكر أنها شعرت بالانتشاء لرؤية كليهما يتباريان عليها رغم معرفتها المحدودة بهما نحت شكوكها جانبا متجاوزة عن الطريقة المراوغة والمٹيرة التي يتخذاها معها والتي تحفز شعور الاسترابة بداخلها إلا أنها منحت التبرير المنطقي لنفسها بأن مثلهما لا يقارنان بمن عرفت سابقا من ذوي التطلعات المحدودة والقدرات المادية المعډومة هما أكثر تباهيا وغطرسة وهذا ما أثار اهتمامها بهما. لم تكن لتقبل بحياة الشقاء والعوز مما دعم بقوة اختيارها المستقبلي في حصر المنافسة بينهما.
هزت رأسها مواقفة وهي تزين وجهها ببسمة لطيفة فتابع بمكر وهو يختطف نظرة سريعة نحو مهاب كأنما يتعمد إغاظته
ولو حابة نصيحتي جربي الطبق ده هيعجبك جدا.
ثم أشار بإصبعه نحو أحد الأصناف فقالت وهي تغلق القائمة
طالما ده رأي حضرتك فأنا واثقة فيه.
كان مهاب يصغي إليهما بملامح فاترة كاشفا حيلة رفيقه المفهومة لاستدراجه نحو المنافسة عليها فكلاهما يتشاركان في سمة غير طيبة الإيقاع بالنساء واللعب على مشاعرهن المرهفة لجرهن نحو شباك العشق. أغلق قائمة الطعام واضعا إياها جانبا وعلق باسما
بادله الابتسام قائلا بلهجة فهم مضمونها
خبرة بقى.
إكثار الحديث بهذه الطريقة أمامها قد يجعلها ترتاب وتتخذ حذرهما
من كليهما لذا غير مهاب من مجرى الحوار وسألها في اهتمام
قوليلي أخبار الدراسة إيه
ردت بإيجاز
ماشية الحمدلله.
انتصب بكتفيه مؤكدا عليها
علق عليه ممدوح فيما بدا وكأنه حسدا
طبعا نفوذ وسلطة وكل حاجة.
سأله مستفهما بمزاح
دي غيرة ولا حقد
لم يخف عليه نواياه عندما أفصح
الاتنين.
ضحك مهاب عاليا فاندهشت تهاني من ردة فعله توقعت أن يغضب أن يظهر انزعاجه لكنه كان هادئا للغاية سجالهما التنافسي ليس معتادا عليها في هذه الأوساط فتساءلت وعلامات الحيرة تغطي ملامحها
ترددت قبل أن تختتم جملتها بحرج
ناقر ونقير.
شرح لها مهاب ببساطة وهو يميل بجسده ناحيتها
ما أنا قولتلك احنا عشرة عمر اتربينا وكبرنا سوا.
قالت وهي تخفض بصرها متحرجة من اقترابه اللافت
ربنا يديم الصداقة دي بينكم.
مرة ثانية وعند هذا القرب سألها مهاب في صوت جاد ونظراته المهتمة تحتويها
مرتاحة في السكن ولا تحبي نكلملك حد يغيرلك المكان
شعرت وكأن الحظ يبتسم لها يفتح ذراعيه لاستقبالها فمن النادر أن يتودد أحد الأثرياء لفتاة فقيرة شبه معدمة لا تملك من متع الدنيا سوى حظا في التعليم وقدرا معقولا من الجمال بالكاد حافظت على تحمسها وحمحمت مرددة بحرج
لأ كله تمام.
أكد لها بنفس النبرة
مش كلام صدقيني أنا كلمتي مسموعة هنا.
أحس ممدوح أن كفة المنافسة تميل لصالح خصمه فصاح منهيا ما بينهما من حوار جانبي
بيتهيألي ننادي على الجرسون عشان جوعنا.
اعتدل مهاب في جلسته وقال مسترخيا
وماله .. اطلب لنا على ذوقك يا ممدوح.
أراح ظهره للخلف مثله وأخبره بهذه الابتسامة اللئيمة
أكيد .. وأنا ذوقي دايما مميز ومختلف.
خشيت أن تهوي من سماء أحلامها الوردية على أرض الحياة الواقعية فيكسر قلبها ويتحطم ما نشأ بداخلها. ظلت تكتم ما يضرم في صدرها من مشاعر متلهفة وأحاسيس متصارعة داعية الله سرا أن يحدث المراد وتلقى القبول. ما إن جاءتها البشرى حتى أطلقت العنان لحنجرتها لتزغرد بلا توقف وكما لم تفعل من قبل. حذرتها عقيلة من الإسراف في التعبير عن فرحتها بقولها الجاد
يا بت استني لما الموضوع يكمل داري على شمعتك.
كل ما فات وانقضى من عمرها قبل هذه اللحظة الفارقة لم تحزن عليه فقد غلبت عليها فرحتها وأنستها ما مرت به من شعور جارح بالنفور والإهمال لذا باحت لها بلا تردد
يامه مش قادرة أمسك نفسي ده أنا الفرحة مش سيعاني.
مرة ثانية شددت عليها پخوف
بدل ما تتحسدي.
تفهمت مقصدها وقالت على مضض
ربنا يستر ويكملها على خير.
ومضة خاڤت صدحت في عقلها لتذكرها بلقائها العفوي معه فتخيلت نفسها إلى جواره كزوجته المخلصة يلاطفها ويتودد إليها ويملأ أذنيها بمعسول الكلمات ليستطيب قلبها لم تشعر بابتسامتها وهي تتشكل بوضوح على محياها ولم تبددها كذلك تركتها تزيد من الإشراقة التي أنارت وجهها وجعلتها تبدو أصغر من عمرها أتفعل الفرحة بالمحب ذلك أتبدل حاله من شيء لآخر قفزت في مكانها تطلب من أمها بحماس
أنا عاوزة أنزل أشتري قماش جديد من عند بتاع المانيفاتورة عشان أفصله فستان عند الخياطة بس يكون حاجة كده ألاجة وآخر منجهة.
هزت رأسها معقبة عليها
ماشي دي أمرها سهل السوق فيه كام تاجر معروفين ببضاعتهم الحلوة.
أحست بنفسها تملك سمة من سمات الأنثى المثالية فبدت مهتمة للغاية بالظهور في مظهر الكمال والجمال أشارت بإصبعها متابعة
وهشوف جزمة حلوة من بتوع تهاني ألبسها بس يا ريت تيجي مقاسي.
اقترحت عليها أمها بجدية
لو واسعة نحطلها فرشة.
وافقتها الرأي وقالت وهي تحاول تجسيد ما تتخيله بحركات عشوائية بكلتا يديها
أيوه وكمان عايزة أعمل شعري وأفرده زي ما الممثلات بيعملوا.
ضحكت
عقيلة من طريقتها الطريفة في الوصف بينما استمرت فردوس بالتحليق في خيالاتها الفسيحة كاتساع الفضاء بترديدها المتفاخر
أنا مش هستخسر في نفسي حاجة نهائي ده يوم مايتعوضش.
زمت شفتيها هاتفة
وماله ..
ارتفع صوت إحداهن من المنور الخارجي مناديا بعجالة
يا دوسة! يا دوسة!
انزعجت عقيلة من هذا الصخب وتساءلت في تبرم
ياختي مين بينادي كده!
اشرأبت ابنتها بعنقها لتنظر من فتحة الشباك الموجودة في المطبخ رأت جارتهما بالأسفل تلوح لها بيدها فأشارت لها لتكف عن النداء ثم خاطبت أمها دون أن تنظر تجاهها
دي إجلال يامه.
على مضض طلبت منها والدتها وهي تجر المقعد القصير لتجلس عليه بعدما راحت عظام ساقيها تئن من كثرة الوقوف
شوفيها عاوزة إيه.
طيب.
قالت كلمتها الموجزة وهي تفتح الشباك سائلة إياها بصوت حائر
خير يا إجلال بتنادي كده ليه
أجابت بإشارة من يدها
ليكم جواب مع البوسطجي عند البقال.
استغربت مما قالت ورددت بحاجبين معقودين
جواب!
هنا هب عقيلة واقفة وخرج من جوفها صيحة مليئة بالشوق
يبقى أكيد من أختك...
غلبتها لهفتها إليها فصاحت تأمر ابنتها بحدة
انزلي أوام هاتيه قبل الراجل ما يمشي.
تركت ما تفعله وقالت بوجه مال للوجوم
على طول يامه.
تبعتها عقيلة بخطوات شبه بطيئة وهي تحادث نفسها في عتاب خاڤت
أخيرا افتكرت إن ليها أم تسأل عليها.
صارت شاردة واجمة ترسم التعاسة علامتها على وجهها الحزين وهي تستحضر في ذاكرتها الأوقات الأخيرة التي جمعتها بابنتها قبل أن تقرر الرحيل والسفر وراء الأحلام المستحيلة. مسحت عقيلة دمعة نافرة من طرفها وسحبت نفسا عميقا لتطفئ به لهيب شوقها إليها أثناء استماعها لما كتبته تهاني في مكتوبها الورقي إليها حررت أنفاسها المخټنقة لتتساءل من جديد
يعني صحتها كويسة
أخبرتها فردوس وهي تطوف بعينيها على الأسطر في تعجل
أيوه يامه ما أنا قولتلك إنها كاتبة إنها بخير وأعدة في مكان حلو.
جاهدت لإخفاء عظمة لوعة اشتياقها لكنها لم تستطع فمشاعرها الأمومية طغت عليها سألتها بصوت شبه مخټنق
هتنزل إمتى
انتظرت لهنيهة قبل أن تجيب
مش كاتبة.
لاحقتها بفيض أسئلتها تباعا
طب بتاكل كويس ونومتها مرتاحة فيها ولا لأ وفي حد بيساعدها إن احتاجت حاجة ولا سايبنها كده وشغلها ودراستها
ردت باقتضاب
كله تمام يامه.
سئمت من إيجازها فهتفت بها بضيق
يا بت اقريلي المكتوب تاني بالراحة خليني أفهم بدل ما أنا باخد الكلام منك بالقطارة.
أخبرتها بصوت محتج
تاني يامه طب ما أنا بجاوب على اللي بتسأليني عليه.
نفخت عاليا وأمرتها بنبرة اخشوشنت نسبيا
اقري بس ده هيتعبك في إيه!!
حكت جبينها وقالت مستسلمة
ماشي اسمعي يامه.
انتهت من إعادة قراءة ما جاء في رسالتها لتتضرع بعدها عقيلة بقلب واجل ولسان لاهج
ربنا يردك بالسلامة يا تهاني.
ظلت فردوس تتطلع إليها بغير اهتمام ربما كانت تفتقد وجودها لكنها في نفس الآن تذكر كيف تصبح مهمشة في حضورها كأنها غير مرئية من الجميع إحساسها بأنها أصبحت مطلوبة ومرغوبة عزز في نفسها مشاعر الغيرة والتنافس. ودت فقط أن تختفي عن المشهد وألا تعود ريثما يتم زواجها فمن الأفضل أن تحصل على أي لقب غير أن يقال عنها المرأة العانس! أحضرتها من تفكيرها المشحون نبرة والدتها المتسائلة
هي مش حاطة رقم تليفون نطلبها عليه من السنترال
قلبت المظروف على جانبيه قبل أن يأتيها جوابها حاسما
لأ مش مكتوب.
ساد التجهم على تعابير أمها وقالت بصوت مال للانكسار
جايز تكلمنا من نفسها.
بفتور غير مبال أخبرتها وهي تطوي الرسالة بمغلفها معا
أيوه.
على حسب فهمها لطبيعة شخصية شقيقتها كانت متأكدة أنها لن تفعل ذلك إلا أن انتقص عليها شيء حينها فقط ستكلف نفسها العناء وتخاطب أمها لتطلب المساعدة والأخيرة لن تفكر مرتين لإعطائها ما تريد فهي المفضلة دوما لديها أما هي فتأتي في
المرتبة الثانية في كل شيء!
اتأخرتي ليه ده أنا مستنياكي من بدري.
صاحت ابتهال بهذه العبارة وهي تقف عند عتبة باب المسكن لاستقبال شريكتها كأنما تقوم بدور ولي أمرها خاصة بعدما رأتها تترجل من هذه السيارة الفارهة وأحدهم يخاطبها بألفة غريبة. لم تكن لتترك الأمر يمضي هكذا دون أن تشبع توقها لمعرفة أدق التفاصيل لكنها لم تنطق بشيء مبدية بوجهها ضيقا واضحا لملاحقتها السمجة. تجاهلتها تهاني عن قصد وولجت للداخل نازعة عنها حذاء قدميها فتبعتها الأولى تتأملها بفضول وهي تهتف من ورائها
يا تهاني أنا بكلمك إيه اللي آخرك برا
نبرتها الحادة أزعجتها للغاية فقالت بوجوم
بطلي دوشة عاوزة أرتاح.
ثم استلقت على الأريكة في استرخاء وراحت تتنهد مليا بعدما حلت شعرها وتركته ينساب بتحرر على كتفها شردت مبتسمة محاولة فصل عقلها عن الواقع الحالي لتسبح في لقاء الأحلام الذي كانت جزءا منه قبل قليل لفت خصلة من شعرها حول إصبعها وراحت تعبث بها في نفس الملامح المستكينة الناعمة ونظرات ابتهال الفضولية تشملها إلى أن استحثها تطفلها السمج على اقټحام خصوصيتها والإلحاح عليها بأسئلتها
إنتي شكلك مبسوط وآخر روقان أومال مين اللي وصلك ده حد نعرفه
نظرت لها باستعلاء قبل أن ترد في صيغة متسائلة
وإنتي هتعرفي ولاد ناس منين
شعرت بقدر من الضيق لإھانتها
متابعة القراءة